موضوع: أوراق من تاريخ فن الكراطيه الثلاثاء يونيو 21, 2011 6:56 pm
نقطة الانطلاق من قرية كومي بجزيرة أوكيناوا تضاربت الآراء حول تاريخ رياضة وفن " الكراطي" أو " لكرا...طي"، وبشكل خاص حول السنة التي بدأت فيها ممارسة هذا الفن.غير أن الأبحاث التي قام بها عدد من الباحثين أكدت أن الممارسة الحقيقية لهذا الفن كانت خلال القرن التاسع عشر بطريقة سرية وذلك بالطبع بجزيرة أوكيناوا. في سنة 1905 سيتحرر فن الكراطي من الممارسة السرية، وذلك بعدما تم تنفيذ برنامج تلقين الممارسة في ثانويات الجزيرة. وكان صاحب هذه الفكرة هو الأستاذ الكوايتوسو. الخطوة الموالية ستكون على يد الأستاذ كينتسويابو وهو أحد أقرباء ايتوسو وكان يلقب ب " الشارجان" لكونه يعمل بالجيش. وقد اعتمد في تداريب الفرق العسكرية على حركات الكراطي، لتتحول التداريب من الشكل الفردي إلى الشكل الجماعي وبالتالي يتم إحداث حركات التحية الجماعية والانطلاقات نحو الأمام وإلى الوراء والاستدارة وغير ذلك، وقد ظلت هذه الحركات قائمة إلى أيامنا. في سنة 1922 سيتم تحقيق قفزة نوعية في مجال ممارسة الكراطي، وذلك بعد أن قدم الأستاذ جيشين فوناكوشي عرضا بمدرسة كودوكان بطوكيو وبالضبط فوق بساط ( دوجو) الأستاذ جيغو رو كانو مؤسس فن الجيدو. وفي الليلة التي سبقت هذا العرض، اضطر الأستاذ فوناكوشي للسهر إلى ساعة متأخرة ليقوم بنفسه بخياطة اللباس ( الكيمونو) الذي قدم به العرض، وقد ركز على اللباس الذي يرتديه ممارسو الجيدو. وتواصلت الممارسة إلى غاية 1936، حيث اجتمع عدد من الأساتذة للاتفاق على اسم " الكراطي" أو " الكرا" " طي" ومعنى ذلك " اليد الفارغة" وليس " يد الصين" كما كان يردد البعض، وكان جيشين فوناكوشي هو أول من استعمل هذا الاسم أي "الكراطي". وطبعا ستتفرع مجموعة من المدارس عن المدرسة الأم وسيحزم الكراطي حقائبه ليسافر خارج جزيرة أوكيناوا، وقد اقتصرت رحلته في البداية على بعض الدول الآسيوية، لكن بعد ذلك ستشمل الرحلة دول أوربا وإفريقيا وأمريكا، ليصبح الكراطي رياضة بل فنا عالميا. ورغم كل هذه الأقدمية، فقد يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: لماذا لا يعتبر الكراطي رياضة أولمبية؟ أما الجواب فهو بالطبع أن أساتذة التاريخ رفضوا دائما أن يتم اعتبار الكراطي بمثابة رياضة لأنه في الحقيقة فن، ولا حاجة إلى ترسيخ أفكار المنتصر والمنهزم والقوي والضعيف في هذا الفن، لكن ونظرا لكون الأمور تتطور فقد أصبح ما يسمى بالتقنية والكوميتي وبالتالي اشتدت المنافسة وتطورت أساليب التداريب وأصبحت هناك بطولات ودوريات عالمية، وبالتالي أصبح من اللازم دخول الكراطي دائرة الألعاب الأولمبية. هذا ما تقرر بالفعل خلال دورة 2000 بسيدني على شكل استعراض فقط، قبل دخول دائرة المنافسة بشكل رسمي خلال دورة 2004 بأثينا. وعموما فإن معقل الكراطي يظل دائم الارتباط بجزيرة أوكيناوا، ولا ندري ما هي التسمية الأولى للصراع بالأيادي الفارغة، لكننا نعرف أن هناك نقطة الانطلاق وهناك مراحل التطور قبل الوصول إلى المحطة النهائية وهي عملية التسمية. أوكيناوا هي الجزيرة الرسمية لارخبيل ريوكيو المتواجد بين جنوب اليابان وجزيرة التايوان، وقد مر سكان هذا الارخبيل بمراحل صعبة بعد استعمارهم في البداية من طرف الصين ثم بعد ذلك اليابان ولأن " الحاجة أم الإبداع" حيث كان سكان أوكيناوا بحاجة إلى العديد من الأشياء وبشكل خاص إلى أسلحة يدوية للدفاع عن أنفسهم، فقد أبدعوا فكرة الدفاع عن النفس انطلاقا من أيادي فارغة وقد اعتمدوا من خلال فكرتهم هاته على فن الكونغ فو الذي كان قد وصلهم بعد استعمارهم الأول من طرف الصين. خلال سنة 1392 أي خلال فترة الاستعمار الصيني لأرخبيل ريوكيو، وبدعوة من الملك ساتو، استقر عدد من المهاجرين الصينيين بقرية كومي بجزيرة أوكيناوا والهدف من ذلك هو السعي وراء تعميق الروابط بين سكان أوكيناوا وبين الصينيين. ولأن الصينيين يمتازون بعادات وتقاليد معينة، فقد شكلت قرية كومي شبه قلعة مغلقة، ويذكر أن هؤلاء الصينيين يمارسون فنا حربيا ويستعرضونه خلال حفلاتهم، كما انهم يتدربون على ذلك باستمرار حتى يكونوا على استعداد دائم للدفاع عن أنفسهم. خلال سنة 1429 قام الملك شوهاشي بتوحيد أوكيناوا مع الصين وموازاة مع ذلك منع استعمال أي أسلحة، وقد جعلت فكرة التوحيد هاته جزيرة أوكيناوا تعيش فترة ذهبية على مستوى المبادلات التجارية مع الصين وماليزيا، وإندونيسيا والتايلاند وكوريا، ومن خلال الانفتاح على هذه الدول فقد استفاد الفن الحربي الذي تمارسه قرية كومي وذلك بعد التعرف على فنون الحرب الممارسة في الدول الأخرى. رياضة الكراطي طريق بيدو: سقوط DO من KARATE-DO " بدأت الكراطي ابن الخامسة والعشرين، ومع مرور الزمن أحس أنني أزداد قوة وخفة"، هكذا تكلم السانسي Sensei Taijikase (65 سنة) وهو يشرح لمريديه التونسيين في تدريب أقيم في بداية شهر ماي 98، يشرح اكتشافاته الجديدة في الضرب عن طريق Wasa Tsuki. ولم يكن "كازي" إلا معبرا عن مرحلة متقدمة من طريق البيدو. وحين يتكلم الأساتذة الكبار عن Budo يرون أنه طريق شاق وممتع في نفس الوقت، ومن هنا قالوا، كلما أتعبت الجسد كلما حررت الروح. ويرون أنه طريق Fudo shin (Fudoتعني التناغمالذييحصلبينالجسد والعقل وتترجم سلوكيا بالقوة والثبات والتوازن أما Shinفتعنيالروح) ومن هنا تشرح الفيدو شان بالسلوكيات الحركية التي تطبع الروح بمميزات معينة وهي سلوكات تمارس في إطار Budo والبيدو كما يرى Roland Habersetzer : « Budo : chemin de la perfection humaine à travers une technique martiale » أي طريق التكامل الإنساني عبر تقنيات حربية. والبيدوكا Budoka إنسان كان يمارس بعض التقنيات الحربية ذات الأصول الهندية واليابانية والصينية، وممارسته لن تكون إخلاصا إلا الغوص في عمق Bu-Do ( Bu تعني مجموعة من التقنيات وDo تعني الطريق) وعند الشرح يتفنن كل شارح في توليد نوع من العلاقة الإضافية بين Bu وDo. لكن يبقى المعنى العميق واحد وهو الإلحاح على الطريق الطويل ومنه يقولون ما هو الكراطي؟ ... إنه ممارسة تقنيات حربية طيلة الحياة للوصول إلى الفيدوشان وهذا الطريق هو طريق البحث عن الذات وطريق بناء العقل السليم في الجسم السليم. وحين تشبع السانسي فوناكوشي بعمق الفن الحربي الذي كان يمارسه وتهيأ له مشروع شوطوكان أضاف Do ل ( Kara: الفراغ و té اليد) بهدف الرقي بالكراطي من مجرد حركات دفاعية إلى فلسفة جسد وروح. وقبل ظهور Do كان بودي دارما قد أحس بحسرة حين رأى أن تلاميذه وأن Shaolin-Su-Kempo (نوع من الدفاع الذاتي) يحولون تدريجيا أهدافهم إلى محاربة العصابات التي كثر اعتداؤها آنذاك. وفسرت هذه الحسرة بأنها بداية النهاية لبودي دارما إذ أحرقت العصابات بعد ذلك مجمع تلاميذته Dojo : Shaolin-Su-Kempo ولم تكن ملازمة Do لمعظم الفنون الحربية Judo-Kan عنوان لإرث ثقافي يرقى إلى أصل حربي واحد هو L’okimawa-té وتسوق هنا بعض الأصول الثقافية ل Do يورد Dominique Vaincent في كتابه Karaté-Story الصفحة 17: " تحدى أحدهم رئيس حفلة شاي ولم يجد هذا الأخير بدا من المواجهة، فقال في نفسه لابد من طلب مشورة أحد خبراء السيف ( وكذلك فعل) وبما أنه كان على الطالب أن يمنح شيئا للخبير، فإن هذا الأخير - عن قصد أو غيره- طلب فقط فنجان شاي مركز la cérémonie de thé le maître de على إخراج هذا الشيء في أحلى حلله وظل الخبير يلاحظ هذا التركيز والعناية في صنع هذا الفنجان وظل المعلم بدوره يسدي العناية الفائقة، فقال: ( عندما تكون أمام خصمك، وسيفك في يديك افعل كأنك تصنع فنجان شاي، وآنذاك ستكون أنت الرابح). ولم يكن الخبير يعني طبعا إلا العمل المشترك بين العقل والجسد لتفادي أية أخطاء طاكتيكية في المواجهة. وحتى الفنون الحربية المتبناة من طرف هوليود لغرض الإثارة لم تخل من الإشارة إلى الإرث التاريخي والثقافي. فهذا بروس لي Bruce Lee يصر، في حياته الواقعية وهو يواجه جبروت الأمريكيين المحترفين للرجل الأصفر، على نقل أخلاقيات الكونغ فو إلى مريديه بأمريكا نفسها، حتى صار كبار الرياضيين وأبطال سينما العنف بأمريكا يتعلمون Jui Titsu وصدق Bruce حين قال: " فقد أعطيت الرجل الأبيض سر الرجل الأصفر". وJui-Titsu وفن الانزياح عن كتلة ما مندفعة نحوك أو فن المراوغة. وفي هذا الباب هناك القصة التي تروي عن مخترع judo يقولون أن مخترع هذا الفن كان يتأمل في كيفية صد كتلة أو قوة مندفعة نحوه وقال: " إذا كنت أزن 70 كلغ فإنني أستطيع صد كتلة تزن 60 كلغ ولكن كيف أصد كتلة تزن 80 كلغ فما فوق. ولم يظل به التساؤل وهو يتجول في الحديقة ويتمتع بسقوط الثلج إذ رأى نوعين من الأغصان: الأول صلب ظل يقاوم سقوط الثلج عليه حتى انحنى إلى حد الانكسار، والنوع الثاني كان رشيقا يتأرجح ذات اليمين وذات اليسار وكان بتأرجحه يتفادى سقوط الثلج عليه أو يزيحه من فوقه فاهتدى إلى فن المراوغة الذي هو أصل judo". نسوق كل هذه الخلفيات الثقافية مع الإشارة إلى أن فنون الحرب مارسها أناس أدباء كفونا كوشي وأساتذة جامعيين كهابرسترز ( أستاذ التاريخ والجغرافية). نسوق كل هذه الأمثلة للإشارة إلى أن طريق البيدو بحث ثقافي وليس مجرد حركات، وفي بلدنا المغرب لن يضمن عدم سقوط Do إلا بتعريب الوسيط الثقافي إذ لابد من إتقان اللغة الفرنسية للإطلالة على فنون آسيا وكذا يجب منهجة تدريس وتلقين فنون الحرب.